Now Reading
كورونا و”دور الدولة”.. المشروع “الوطني” ضرورة ملحة

كورونا و”دور الدولة”.. المشروع “الوطني” ضرورة ملحة

قد يكون العامل الأبرز الذي فرضته جانحة كورونا هو مسألة عودة “دور الدولة” وضرورة قيام المؤسسات الحكومية والامنية بلعب دور الناظم والمسير الداخلي لكافة التفاصيل الصغيرة في المجتمع لمواجهة ازمة تتجاوز في ابعادها الجانب الصحي المرحلي وتصل تعقيداتها الى أدق التفاصيل المعيشية اليومية والمستقبلية.

أظهرت التجربة الأردنية توافقات تامة على أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات البيروقراطية في إدارة الازمة والحفاظ على حالة الاستقرار.

 لكن من المهم أيضاً الإشارة لان التحدي الحقيقي في هذه المرحلة هو القدرة على ادامة حركة الحياة  مما يعني الانتقال من إدارة الازمة المؤقتة الى التعامل مع أوضاع طويلة الأمد تضع الدولة في امتحان متعدد الأوجه من حفظ الامن والاستقرار  الى دفع حركة الإنتاج بصورة تمنع الانهيارات المجتمعية والسقوط الاقتصادي، فنحن هنا امام صدمة تطال كافة التفاصيل الحياتية، بما فيها مفهوم الحريات الشخصية الاساسية والسياسية وحرية التعبير عن الراي ومفهومي الحكومة والمعارضة.

من هنا تبرز عناوين المرحلية الحالية الاساسية: الامن الغذائي، الاكتفاء الذاتي والإنتاج المحلي.

انجاز هذه العناوين الثلاثة لابد ان يصطدم منطقياً مع منهجيات عمل معظم الحكومات ونموذج الدولة الاستهلاكية الذي تم تجذيره في السنوات الأخيرة ، وبالتالي فان حالة الازمة الحالية تستدعي القيام بعملية انقاذ بيروقراطي عبر تبني نهج جديد يختلف تماماً عن النهج السابق وينتقل في منظومة العمل من التبعية الى الابتكار ومن الاستهلاك العبثي الى الإنتاج المنظم.

هذا التغير السريع الذي يأخذ شكل الصدمة يضع الدولة امام تحدي حقيقي يصل في خطورته الى التحدي الوجودي، مما يعني ان عدم التكيف مع التغيير او بالأحرى الركض الى الامام واستباق ما هو قادم يعني بالضرورة فتح باب الازمات على مصرعيه.

ولعل ابرز تحديات الدولة في المرحلة الحالية تتمحور في الانتقال من دور الدولة المراقب للنشاطات والمترفع عن تفاصيل الملفات الأساسية التي أوكلت الى قطاعات اما خاصة او كيانات موازية الي ضرورة التدخل المباشر ولعب دور اكثر حضوراً، سواء في قطاعات الصحة والتجارة والصناعة والتي ستنتقل بلا شك الى القطاعات الأخرى كالتعليم والسياسات الداخلية والخارجية التي تخضع اليوم الى عملية اعادة رسم وبناء وفقاً للمعايير الجديدة التي تفرضها الجانحة على العالم.

المشروع الوطني ضامن التحولات المجتمعية

يحتاج الواقع المجتمعي اليوم الى قدرة استثنائية للتعامل مع تحدياته غير المنتهية، حالات التعطل وانعكاساتها السلبية وضرب الاقتصاديات الصغيرة وقطاع واسع من العائلات التي تعتاش على قوت يومي ناتج عن حركة عشوائية غير منتظمة، لهذا فان كل هذه العوامل قد تنتقل بخطوات سريعة من حالة التحديات الى دوائر الخطر المباشر.

مع ذلك فان العامل الأهم في مواجهة هذه التحديات مجتمعة يكمن في  قدرة الدولة على خلق مظلة وطنية ينضوي الجميع تحتها، إعادة دور الدولة الوطنية يقتضي ضمناً إعادة تعريف المعارضة والأدوار المجتمعية لكافة العناصر المجتمعي الفاعلة.

 لهذا لم يعد الحديث عن مشروع وطني واضح المعالم ضرباً من ضروب التنظير او الترف بل اصبح حاجة ملحة وضرورة لاحتواء التصدعات المجتمعية ، فهذا هو العنوان الوحيد الذي تجد فيه كافة القوى المجتمعية مكاناً لها في تحمل مسؤولياتها ولعب دور في مواجهة الازمة وتداعياتها.

الدولة التي تخلت عن معظم الملفات الأساسية في السنوات الأخيرة وتحولت الى دولة حارسة او مراقبة بما يعرف ب  Watchnight state تجد نفسها اليوم مضطرة للخوض في معركة إدارة متعددة النواحي ومعقدة التفاصيل. تفرض التحديات الحالية على الدولة تغييراً جذرياً وتحديات غير منتهية، اقتصادية وسياسية ومجتمعية.

غالباً ما ترتبط معظم خلايا إدارة الازمة بمرحلة مؤقتة تفقد قيمتها مع بداية الانتقال للمرحلة الثانية من الازمة، حيث تبرز الحاجة لرؤية طويلة الأمد وتنفيذ مشاريع استراتيجية بطريقة سريعة تسابق الزمن. ضمن هذا السياق، قد يوفر قانون الدفاع الحالي  في الحالة الاردنية المناخ المناسب لصاحب القرار لاتخاذ هذه الخطوات واستباق التحديات.

 لكن لابد اليوم من التذكير ان الاستفادة من اللحظة التاريخية يحتاج سرعة في الأداء والتنفيذ وايمان بأن الدولة ورسوخها اليوم وتجديد مؤسساتها لا يمكن ان يتم الا عبر وتحت عنوان المشروع الوطني. هذا المشروع يلعب الدور الأبرز في اشعار الجميع بدوره وفاعليته، والاستعداد لمواجهة الصعوبات وتقديم التضحيات واحتواء الضغوط الاقتصادية واحتماليات الانفجارات المجتمعية.

د.عامر السبايلة

What's Your Reaction?
Excited
0
Happy
0
In Love
0
Not Sure
0
Silly
0
Scroll To Top